الثلاثاء 6 مايو 2025 12:01 مـ 9 ذو القعدة 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

القصة العجيبة لطبيب مصري في قرية يمنية.!

الثلاثاء 6 مايو 2025 10:42 صـ 9 ذو القعدة 1446 هـ

من القصص التي عشتها ولا أنساها أنه في أواخر التسعينيات قدم إلى الوحدة الصحية في قريتنا الطبيب المصري ربيع ثروت.
وكنت أذهب إليه وأتردد على عيادته وأتبادل معه الكتب والمجلات، مرحه وحس الفكاهة والدعابة الذي تميز به يجعلك تحبه من أول لقاء.
ونشأت بيننا صلة صداقة انتهت بقصة غريبة لم تخطر لي على بال.

ذات مساء ونحن نرتشف الشاي ونتبادل الحديث كمثقفين حول مستجدات الأحداث جاء أحدهم يحمل طفلا يعاني من الحمى ويتقيأ باستمرار، فتح الطبيب فم الطفل ورأى حلقه ثم دس السماعة في صدره وبطنه وقال:
_ تسمم غذائي.
وبعد أن قام بعلاجه وتحسن الطفل، ورأينا على وجه والده إشراقة الفرحة أقسم علينا أن نتناول طعام الغداء في اليوم الثاني عنده.
وقال للطبيب:
_ محمد مصطفى يعرف البيت وسيأتي معك.
ورافقته إلى منزل الرجل، وكان أول شيء فعله أن أطمئن على الطفل وأهدى له علبة مكملات غذائية.
قبل موعد الغداء كنت مع الطبيب نتحدث في المجلس فلما سمع الرجل يقول لزوجته:
_ إذهبي وأمشقي " احلبي" البقرة.
هرع إلى صاحب البيت قائلا:
_ إيه إيه تذبح البئرة والله ما يحصل، أنا مش جاي أخرب بيتك يا راجل، هو خروف أد كده يكفي.
كان الرجل قد ذبح دجاجة لكنه عندما سمع الطبيب يقول:
_ خروف يكفي.
أحرج وذهب وذبح الخروف.
كنا نتناول الغداء وقبل أن نقوم أسرع الرجل إلى الداخل وسمعناه يقول لزوجته:
_ جهزتي البنت للدكتور ؟
وحينها توقف الطبيب عن الأكل مندهشا وهمس لي:
_ باين عليهم عايزين يجوزوني بنتهم أنت تعرفها ؟ حلوة وإلا وحشة ؟
كتمت ضحكتي ووضحت له الأمر:
_ قصدهم بنت الصحن.
_ إيه بنت الصحن دي ؟
_ حلويات.
_ هاه قصدك زي أم علي.
_ تقريبا.

بعد أن تغدينا وشربنا الشاي وأكلنا بنت الصحن قال الدكتور ربيع:
_ حلوة بنت الصحن دي، طلعت أحسن من أم علي بتاعتنا، الصحن التاني هشيله معاي للسكن.
وفاجأنا الدكتور بقوله:
_ أنا ناوي أعمل حاجة معملتهاش طول عمري.
وتطلعنا نحوه بدهشة واستغراب فقال:
_ أنا نويت أخزن القات.
وأضاف:
_ عايز أجربه اليوم واللي يحصل يحصل.

عندما سمع صاحبنا بحديث الطبيب ذهب إلى حقل القات وقطف من القات الفاخر العديد من الحزم، ثم وزعها علينا وبدأنا نمضغ القات.
ونصحناه أن لا يبلع ماء القات لكنه كان يمضغ ويبلع وبدأ منتشيا يتحدث عن كل شيء.
وجاء طفل يجري ويسأل عن الطبيب فقد جاء مرضى للوحدة الصحية فغادرنا.

بعد أن عالج مرضاه عاد يجلس على الدكة بجوار المبنى ويمضغ القات وفجأة سألني:
_ تعرف أنا جيت هنا ليه ؟
_ لأجل علاج المرضى..
قاطعني ساخرا:
_ يا عم يتنيلوا المرضى دول.
_ أنا جاي طفشان من الدنيا واللي فيها، قلت: أدفن نفسي بالحياة هنا يا صابت يا خابت.
_ ليه كذا بس؟
_ الدنيا وحشة يا محمد.
وأضاف:
_ كله منها الخاينة بنت المؤذية.
_ يعنى القصة فيها واحدة ست؟
وأندفع يحكي وقد شرد بخياله إلى بعيد:
_ ميرفت بنت خالتي تربينا سوا في الحارة، كانت عيلة بتجري وراء عربية الرش، وأحيانا بخدها معايا لفة بالعجلة " يقصد السيكل " وكبرنا سوا ودرسنا طب، ومشيت كل حاجة آخر حلاوة، وطلبتها وشبكتها وكنا هنتجوز..
قاطعته:
_ ما كل حاجة ماشية تمام إيه اللي حصل؟!
_ وإذ فجأة جاء غراب البين ابن المؤذية هازم اللذات مفرق الأحبات.
جاء عادل ابن عمها من الكويت، تقولش يا جدع معاه بير بترول في جيبه، اشترى فيلا وعربية ورصيد في البنك، وبدأ يعمل مشاريع.
أنا خلاص عرفت اللي فيها، ما خلاص ما فيش مقارنة، المعركة غير متكافئة بيننا.!
الراجل يا دوب راح عندهم يتعشى لقيت ميرفت بتبعت اللي الدبلة مع أخوها الصغير وتقول لي:
_ الجواز قسمة ونصيب.
الراجل لسه ما فتحش بقه وهي خلاص باعتني، الفلوس زغللت عنيها خلاص.
وأجهش بالبكاء وهو يهزني بعنف:
_ الدنيا ليه كذا وحشة يا محمد ؟!
_ يا دكتور وحد الله، دي واحدة ما تستاهلش حبك. خلاص انساها.
_ على رأيك دي ما تستاهلش.
وأمي حكايتها تقطع القلب مع أنها غلبانة وطيبة، ملاك في صورة إنسان.
جدي الله يرحمه، والا أقول لك: الله لا يرحمه ويجحمه مطرح ما راح، غصبها تتجوز أبويا وهي كانت بتكرهه كره العمى، با أقولك على حاجة بس ما تقولش لحد.
هززت رأسي قائلا:
_ قل وسرك في بير.
كانت بتحب ممدوح بن خالتها وكانوا متفقين على الجواز، لكن جدي كان قايل لجدي أبو أبويا كلمة، وما فيش حاجة عنده اسمها حب وكلام من ده.
هي لسه بتقول له:
_ بس ..
ما كملتش الكلمة الا وراح شاخط فيها:
_ بكرة كتب كتابك خلاص أنا جبت للراجل كلمة.
وفضلت أمي تعيط طول الليل.
وأجهش بالبكاء وهو يمسك بتلابيبي ويهزني بعنف:
_ الدنيا وحشة كده ليه يا أستاذ محمد؟!
_ يا دكتور وحد الله، الحاجات دي خلاص فاتت بلاش تعذب نفسك.
_ على رأيك خلاص اللي راح راح.
_ والكلب حمادة ابن الذين..
قاطعته:
_ ماله دا راخر ؟
_ عيل رخم وابن ستين صرمة، كان بيضربني في المدرسة ويشيل علي السندوتشات، بس أنا لازم أقتله وأشرب من دمه. يا أنا يا هو.
ثم أجهش بالبكاء وأمسك بتلابيبي وهزني بعنف أكبر كاد يخنقني:
_ الدنيا وحشة كده لييييه ؟
_ أنا عارف ؟
وخلصت نفسي منه بالقوة، ثم نصحته بأن يترك القات ويأكل بنت الصحن بالحليب وسيرى أمه وقد تزوجت ممن تحبه، وسيرى ميرفت وقد طلقها عادل ابن عمها وقد ندمت على جوازها منه وصارت تشتاق إليه وتناديه:
_ ربيع ربيع أنت فين يا ربيع ؟
سألني بجدية:
_ أنت متأكد لو رميت البتاع دا وأكلت البتاعة اللي جوه كل حاجة هتتزبط زي ما أنا عايز ؟
_ أكيد وعلى ضمانتي.
رمى القات من فمه وتمضمض، ثم دخل ليأكل بنت الصحن فانتهزت الفرصة وفررت قبل أن تعود الدنيا وحشة ويمسك بتلابيبي للمرة الرابعة فلا أنجو من يديه.

*قصة قصيرة