الأربعاء 30 أبريل 2025 06:47 مـ 3 ذو القعدة 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

غُزية اليامية... الفتاة التي فجّرت الحصن وغيّرت مجرى الحرب

الأربعاء 30 أبريل 2025 04:53 مـ 3 ذو القعدة 1446 هـ
غُزية اليامية
غُزية اليامية

في قلب صحراء نجران، حيث تذوب الحكايات في حرارة الشمس، بقيت قصة فتاة شجاعة مدفونة بين طيات النسيان. لا تُدوَّن في الكتب، ولا تُروى في العلن، لكن كبار السن يتهامسون بها كأنها أسطورة، رغم أنها وقعت فعلًا في بدايات القرن العشرين. اسمها غُزية بنت شاجع اليامي، ابنة قبيلة يام، وهي بطلة قصة فريدة اختلطت فيها البطولة بالتضحية والغموض.

زمن الاضطراب... وحصن لا يُخترق

كانت تلك الحقبة فترة اضطراب سياسي وقبلي، إذ خاضت قبائل نجران مواجهات عنيفة ضد بقايا الحاميات العثمانية المنتشرة جنوب الجزيرة. وكان أحد معاقل هذه الحاميات حصن ضخم يُعرف بـ"حصن آل ثامر"، يشرف على طرق التموين، ويُمثل قوة ضاربة في المنطقة. حاولت القبائل اقتحامه مرارًا، لكن تحصيناته المتينة وأسلحته الثقيلة جعلت كل المحاولات تبوء بالفشل.

فتاة واحدة... وخطة تقلب المعادلة

في لحظة يأس، تقدمت غُزية، الفتاة الصغيرة التي لم يتجاوز عمرها الخامسة عشرة، واقترحت خطة بدت في ظاهرها ضربًا من الجنون: أن تتنكر كبائعة حليب، وتحمل داخل قربتها عبوة متفجرة مخفية تحت طبقات من القش واللبن. في وضح النهار، دخلت الحصن وسط جنود العدو، دون أن يساورهم الشك في نواياها. ما إن وصلت إلى ممر السلاح الرئيسي، حتى سكبت الزيت المغلي على الفتيل وأشعلت النيران. دوّى الانفجار داخل الحصن، وانهارت البوابة. خلال دقائق، كانت القبائل قد اندفعت إلى الداخل، منهية المعركة بانتصار صاعق.

نهاية مجهولة... وغياب متعمّد

لكن غُزية لم تخرج مع المنتصرين. تقول بعض الروايات إنها احترقت في الانفجار، بينما يدّعي آخرون أنها اختفت وسط الدخان ثم عادت بعد أشهر، وتزوجت من أحد زعماء نجران، لكنها فضّلت العزلة عن الأضواء. ما يثير الحيرة هو تغييب اسمها لاحقًا من المدونات القبلية والوثائق الشفهية، ويُعتقد أن السبب يعود إلى حساسية المجتمع تجاه مشاركة النساء في القتال، حتى وإن كانت بطولية.

التاريخ الذي لم يكتبه أحد

لم تُسجل هذه القصة في الوثائق العثمانية، ولا اعترفت بها المدونات الرسمية التي أرّخت لتلك الفترة. ربما لأن بطلتها فتاة، وربما لأن المجتمع القبلي آنذاك لم يكن مستعدًا لتكريم امرأة في ساحة المعركة. إلا أن الرواية بقيت حيّة في الذاكرة الشعبية، تنتقل سرًّا من جيل إلى آخر، لتكون شهادة على بطولة لم يعترف بها أحد... إلا التاريخ الصامت.