الخميس 8 مايو 2025 01:05 مـ 11 ذو القعدة 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

إعلان ترامب “الضخم جداً”

الخميس 8 مايو 2025 02:01 صـ 11 ذو القعدة 1446 هـ
عبدالرحمن البيل
عبدالرحمن البيل

في تصريح أثار اهتمام المراقبين داخل وخارج الولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب – الرئيس الـ47 للولايات المتحدة – أنه بصدد إطلاق “إعلان ضخم للغاية” قبيل زيارته المرتقبة إلى المملكة العربية السعودية، قطر، والإمارات خلال النصف الثاني من مايو الجاري. ترامب وصف الإعلان بأنه “إيجابي جداً” و”سيُغير مجرى الأمور بشكل كبير”، دون تقديم تفاصيل إضافية.

لكن السياق الإقليمي الحالي لا يترك الكثير من المساحات للتخمين: فهناك قضية واحدة ملتهبة، تجاوزت كل الأزمات الأخرى، وفرضت نفسها على الضمير العالمي، وهي ما يحدث في غزة.

غزة تحت الحصار: موت معلن في وضح النهار

منذ أكثر من سبعة أشهر، يواجه أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة حصارًا خانقًا وقصفًا متواصلاً من قِبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. انهارت البنية التحتية بشكل شبه كامل، وتوقفت المستشفيات، ونفدت المياه والدواء والغذاء، في حين يُسجَّل سقوط عشرات الشهداء والجرحى يومياً، معظمهم من النساء والأطفال.

تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تشير إلى أن القطاع قد ينهار إنسانيًا بالكامل خلال أسبوعين فقط إذا استمر الوضع على حاله. لا مقومات للحياة، ولا ممرات آمنة، ولا حتى رغبة واضحة لدى المجتمع الدولي في التدخل الحاسم.

فحوى الإعلان المرتقب: ما الذي يُمكن أن يكون فعلاً “ضخماً”؟

رغم أن بعض التسريبات تحدّثت عن صفقات استثمارية ضخمة بين الولايات المتحدة ودول خليجية، وتفاهمات اقتصادية وعسكرية، فإن هذا ليس بالأمر المفاجئ أو غير المتوقع. فجميع هذه الأمور يجري التفاوض حولها منذ أشهر.

لكن إذا أراد ترامب فعلاً إطلاق إعلان “تاريخي” كما وصفه، فإن الورقة الوحيدة التي يمكن أن تبرر هذا التوصيف هي: وقف شامل لإطلاق النار في غزة.

احتمال إعلان وقف النار يتعزز إذا توافرت العناصر التالية:
•تفاهم أميركي–سعودي–قطري على آلية تفاوض مع الجانب الإسرائيلي والفلسطيني.
•رغبة إسرائيلية في الخروج من المأزق تحت غطاء “نجاح عسكري جزئي”.
•ضغط دولي متصاعد، لا سيما من أوروبا وأمريكا اللاتينية، لإنهاء المجازر.
•تهيئة الرأي العام الأميركي، خصوصاً المحافظين، بأن ترامب “حقق ما عجز عنه بايدن”.

السعودية والخليج: حجر الزاوية في أي تحرك جدي

السعودية اليوم هي الطرف القادر على قيادة هذا التحول. ليس فقط لأنها تملك النفوذ السياسي والاقتصادي، بل لأن موقفها الرمزي في العالم الإسلامي يجعل من مشاركتها ضرورة لأي حل يُنظر إليه كحل محترم ومتوازن.

من جهة أخرى، قطر أيضًا، بعلاقاتها المعقدة مع حماس، تمثل مفتاحاً مهماً. وإذا ما عملت الرياض والدوحة مع واشنطن في مسار موحد، فإن فرص تحقيق وقف إطلاق نار حقيقي سترتفع بشكل كبير.

لماذا قد يلجأ ترامب لهذه الورقة الآن؟

ترامب ليس بعيداً عن حسابات الداخل الأميركي، خصوصًا بعد بداية رئاسته الثانية وسط انقسامات داخلية، وتحديات دولية في أوكرانيا وآسيا. لكنه يدرك جيدًا أن صناعة المفاجآت هي ما يميّزه عن خصومه، وأن أي رئيس أميركي ينجح في إنهاء حرب دامية في الشرق الأوسط، يُنظر إليه كصانع سلام عالمي.

ومن هنا، فإن إعلان وقف النار في غزة سيُحقق له:
•صورة الزعيم الحاسم في السياسة الخارجية.
•تحسين صورته أمام العالم الإسلامي بعد سنوات من التوتر.
•التفوق على بايدن في ملف الشرق الأوسط.
•دعم الأوساط الإنسانية والحقوقية التي باتت محرجة من مواقف واشنطن الحالية.

لكن الواقع فاجأنا جميعًا…

ما كنا ننتظره من إعلان “ضخم جدًا” هو وقفة تاريخية أمام كارثة إنسانية غير مسبوقة في غزة، لا مناورات لغوية ولا مسرحيات جغرافية. في اللحظة التي كنا نترقب فيها وقف إطلاق نار يعيد شيئًا من الحياة لمليوني إنسان يواجهون الموت جوعًا وقصفًا، جاء الرد من ترامب على شكل لعبة ألفاظ لا تطعم جائعًا ولا تُنقذ طفلًا.

إن استبدال اسم “الخليج الفارسي” بـ”الخليج العربي” قد يثير زوابع صغيرة في كواليس الدبلوماسية، لكنه لن يوقف نزيفًا، ولن يفتح معبرًا، ولن يغيّر شيئًا في موازين العدل أو الحقيقة.
خاتمة: ضجيج بلا أثر… ودم لا ينتظر

العالم لا يحتاج إلى استعراضات جديدة، بل إلى جرأة حقيقية تقف بوجه آلة القتل.
وإذا كان ترامب، أو غيره، يظن أن الكلمات كافية لتلميع صورة أو صنع نصر معنوي،
فليعلم أن التاريخ لا يحترم الضجيج، بل يحفظ فقط ما أوقف الدم، وما أنقذ الأرواح.

غزة اليوم لا تنتظر اعترافًا لفظيًا،
بل قرارًا شجاعًا بوقف المجزرة فورًا…
وإلا فإن كل إعلان “ضخم” سيبقى مجرد صدى أجوف في مقبرة مفتوحة.