الأربعاء 30 أبريل 2025 01:04 مـ 3 ذو القعدة 1446 هـ
االمشهد اليمني
Embedded Image
×

تهامة حين يقود الوعي مشروع النهوض وانتزاع الحقوق .

الأربعاء 30 أبريل 2025 12:17 مـ 3 ذو القعدة 1446 هـ
عبدالمجيد زبح
عبدالمجيد زبح

الحقوق لا تستجدى بل تنتزع وان اختل ميزان الشراكة وغابت العدالة فان حق الشعوب في تقرير مصيرها يصبح خيارا مشروعا تدعمه الاعراف والمواثيق الدولية فلا دولة تقوم على الظلم ولا وطن يستقر على انكار الحقوق وما من قضية يمكن ان تحيا وتستمر دون شعب حي وعي بمظلوميته وتهامة اليوم ليست تلك المنطقة النائمة على الهامش بل وطن داخل وطن يعيش كل فرد فيه من الطفل قبل الكبير المظلومية والاقصاء والتمييز السياسي والاقتصادي ويتنفس يوميا قهرا مركبا فرضته قوى الهضبة وتحالفات الاحزاب المركزية التي جعلت من تهامة حقلا للاستغلال وساحة للإقصاء .

تهامة بارثها وبثقلها الانساني وبموقعها الجغرافي الحيوي الذي لطالما حاولت قوى الهيمنة ان تكتمه يستعيد اليوم صوته عبر وعي جمعي متبلور ينفض الغبار عن مظلومية امتدت لعقود ويعلن بوضوح ان الزمن تغير وان تهامة لم تعد تلك الارض الصامتة التي تدار من خلف الكواليس او تختزل في شعارات المناسبات وبالكلمات العاطفية .

لقد ارادت قوى الهضبة واذرعها الحزبية ان تبقى تهامة في دائرة التبعية والوصاية وتعيش على هامش القرار وتحرم من ابسط حقوقها في التمثيل والتنمية والسيادة وقد خطط لذلك ليس صدفة بل كجزء من رؤية تسعى لابقاء هذه المنطقة الاستراتيجية خارج سياق النهوض وبعيدا عن محيطها الاقليمي والدولي ومنزوعة الارادة والقرار حتى لا يتحول شريطها الساحلي الى نقطة قوة لها ولا يصبح ابناؤها جزءا فاعلا في صياغة مستقبل اليمن والمنطقة .

لكن هذا المخطط بدأ ينهار لان الوعي الذي بدأ كهمس نخبوي تحول اليوم الى تيار شعبي واسع عابر للقرى والمدن تحمله الاجيال الشابة وتؤمن به شرائح المجتمع كافة وهذا الوعي لم يعد ينتظر المساعدة من احد بل يبني ادواته ويعيد قراءة تاريخه ويفهم الجغرافيا من زاوية القوة لا من زاوية العزلة انه وعي ناضج لم يعد مجرد ردة فعل على واقع الظلم بل مشروع منظم له رؤية واضحة يتطلع الى شراكة متوازنة مع الجميع في الداخل والخارج بخطوات مدروسة ومسنودة بالوعي التهامي .

لم يعد من المقبول النظر الى تهامة باعتبارها منطقة مهمشة تبحث عن تعويض فالحقيقة اليوم ان تهامة اصبحت مركزا لصياغة معادلة التوازن لا فقط في اليمن بل على مستوى الاقليم فموقعها الجغرافي الممتد على واحد من اهم الشرايين البحرية في العالم وثرواتها الساحلية والزراعية واهميتها الديمغرافية تجعلها رقما استراتيجيا لا يمكن تجاهله ومع ذلك فان الخطاب التهامي اليوم لا يقوم على الابتزاز او رفع سقف المطالب بل على طرح مشروع شراكة نابع من الوعي ومتصل بالواقع ويهدف الى بناء منظومة متكاملة من الامن والتنمية والتعاون

فمن مصلحة الاقليم والعالم دعم تهامة وتأهيل قيادتها وهي تستعيد وعيها وتنهض بمشروعها لان في ذلك استثمارا في الاستقرار وفي خلق توازن داخلي يعزز من فرص السلام والنمو فتهامة لا تطلب حماية بل شراكة لا تنتظر المعونات بل الانفتاح والتواصل والدعم للمبادرات المحلية التي تنبع من صميم المجتمع التهامي .

ما يميز التهامي اليوم انه لا يرفع فقط شعارات المطالبة بالحقوق بل يمتلك مشروعا ناضجا في فهم الدولة والتعدد والتوزيع العادل للثروة والانفتاح الاقليمي وهذا المشروع يقوده وعي جماعي بدأ يتبلور منذ سنوات لكنه اليوم يصل الى مرحلة متقدمة من النضج والتنظيم والتهامي اليوم لم يعد ذلك المواطن المنكفئ على جراحه بل هو صاحب خطاب وصاحب مشروع وصاحب رؤية ولم يعد يخشى الحديث عن المظلومية بل يضعها في سياق سياسي واضح ويربطها برؤية مستقبلية تحترم الاخرين وتطلب الاحترام بالمقابل ويعرف التهامي ان الحقوق لا تمنح بل تنتزع لكنه يدرك ايضا ان انتزاعها لا يكون بالصوت العالي وحده بل بالوضوح والوعي والعمل الدؤوب .

وتهامة لا تريد ان تنفصل عن جسدها الوطني طالما انها ستنال كامل حقوقها وفق شراكة عادلة ومتوازنة اما اذا استمرت قوى الهضبة والاحزاب المركزية في فرض الوصاية والتهميش فانها بذلك تدفع بتهامة دفعا نحو خيار قد لا يكون هو الخيار المفضل لكنه سيكون مشروعا ومقبولا في ظل معطيات دولية وظروف اقليمية مهيأة وتهامة تمتلك من المقومات الاقتصادية والجغرافية والبشرية ما يمكنها من بناء مشروع مستقل يحظى بغطاء اقليمي ودولي ويمنح ابناؤها الكرامة والعدالة التي حرموا منها طويلا .

فالاصرار على ابقاء تهامة تحت الوصاية انما هو تعبير عن عجز تلك القوى عن التكيف مع الواقع الجديد فالزمن الذي كانت تدار فيه المناطق من فوق وتساق فيه الشعوب بالولاءات قد انتهى وتهامة اليوم تكتب خطابها بيدها وتصوغ رؤيتها بلغتها وتبني تحالفاتها بعقلها لا بعواطفها والوصاية تسقط لان الوعي يرتفع والمشاريع التي بنيت على التهميش تتفكك لان الارض بدأت تتكلم وهذه المرة صوت الارض ليس صراخا بل هو صوت الحق حين يقال بثقة وصوت الشعب حين ينهض بارادة .

تهامة لم تعد تسأل ماذا ستفعل القوى الاخرى لها بل تسأل ماذا ستفعل لنفسها وهذا هو السؤال الذي تنتصر به الامم وتصنع به الشعوب مصيرها وما نراه اليوم في تهامة هو بداية تحول كبير سيعيد رسم الخريطة السياسية للمشهد في ليمن بما يضمن التوازن والشراكة والكرامة للجميع .